تستقرُّ في الأرض، فيَنتفعُ بها النَّاسُ عندَ الحاجةِ إليها، والزَّبَدُ يعلو صورةً ثمَّ يتلاشى، وكذلك الباطلُ وأهلُه، والماءُ والجواهرُ يسفُلُ صورةً ويثبُتُ ويبقى، فكذلك الحقُّ وأهلُه، والجواهر تستفيدُ بالنَّار صفاءً، وكذلك المحقُّ يزدادُ بأذى المبطليْنَ خُلوصًا وبقاءً.
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}: أي: يبيِّنُ الأشياءَ لإيضاحِ الحقِّ وإدحاضِ الباطلِ.
* * *
(١٨) - {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
وقوله: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ}؛ أي: أجابوا دعوةَ الحقِّ {الْحُسْنَى}؛ أي: المثوبةُ الَّتي لا أحسنَ منها، وهي الظَّفَرُ والتَّمكين في الدُّنيا، والنَّعيم المقيم في الجنَّة؛ قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} التوبة: ٥٢؛ أي: الظَّفرَ والشَّهادة، وقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى}؛ أي: الجنَّة.
وقال الإمام القشيريُّ: هي قَبولُ استجابَتِهم له، وذلك مِن أجلِّ الأشياءِ عندَهم؛ إذْ لا شيءَ أعزُّ على المحبِّ مِن قَبول محبوبِه منه شيئًا (١).
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ}: لم يجيبوا لربِّهم في دعوةِ الحقِّ، فلا مخلَصَ لهم بوجهٍ مِن الوجوهِ.
وقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}: مِن صنوفِ الأموالِ {وَمِثْلَهُ مَعَهُ}؛ أي: وضعفَ ذلك.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٢٥).