كما في الختم على الأفواه يومَ الحساب، لمَّا عجزوا به حقيقةً عن الكلام لم يبقَ الخطابُ بالكلام.
وتحقيقُ المذهب: إثباتُ فعلِ العبد، وتخليقِ اللَّه تعالى.
والمذكور في هذا المعنى في كتاب اللَّه تعالى ثلاثةُ أشياء: الختمُ والطبعُ والكنانة (١)، وفي كلِّ واحد منها ذكرُ فعل نفسه وفعل العبد.
أما في الختم فقد قال: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} وهذا إثباتُ فعلِ نفسِه، وقال تعالى قبلَه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وهذا إثباتُ فعلِهم.
وقال في الطَّبع: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} النساء: ١٥٥، فقولُه: {طَبَعَ}: فعلُه، وقولُه: {بِكُفْرِهِمْ}: فعلُهم.
وقال في الكِنانة (٢): {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} الكهف: ٥٧، وقال قبله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ} الكهف: ٥٧.
ثم الختمُ في القرآنِ على ثلاثةِ أوجُهٍ:
للعقوبةِ: كما في هذه الآية.
وللكرامة: كما في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} الشورى: ٢٤، قال مقاتل: أي: يَختمْ بالصبر فلا تجدُ غصَّةَ التكذيب، وهذا تسهيلٌ عليه بطريق الكرامة.
وللموعظة: كما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى
(١) في (أ): "والكنان"، وفي (ف): "والكتاب".
(٢) في (أ): "الكنان"، وفي (ف): "الكتاب".