وقال الإمام القشيريُّ رحمَه اللَّه: يمحو مِن قلوبِ الزُّهَّاد حبَّ الدُّنيا، ويثبِتُ بدلَه الزُّهدَ فيها.
ويمحو مِن قلوب العارفين الحظوظ، ويثبِتُ بدلها إيثارَ حقِّ اللَّهِ.
ويمحو عن قلوب الموحِّدين شهود الخلق، ويثبِتُ بدلها شهود الحقِّ.
وقيل: يمحو العارفين عن شواهدِهم، ويثبِتُهم بشاهد الحقِّ.
وقيل: يمحو العبدَ عن أوصافِه، ويثبِتُه بالحقِّ.
وقيل: يمحو عن قلوبِ الأجانبِ ذِكْرَ الحقِّ، ويبدلُ بدلَه غَلَبَاتِ الغَفْلَةِ وهواجم النِّسيان.
وقيل: يمحو أوضارَ الزَّلَّةِ عن نفوس العاصين، وآثارَ العصيانِ عن ديوانِ المذنبين، ويثبِتُ بدلَه لوعةَ النَّدمِ، وانكسارَ الحسرةِ، والخمودَ عن متابعةِ الشَّهوة.
وقيل: يمحو نضارةَ الشَّبابِ، ويثبِتُ صفةَ الشَّيبِ.
وللمقال مجالٌ في هذا الباب.
وقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} قيل: اللَّوحُ المحفوظُ الَّذي أثبِتَ فيه ما سبقَ علمُه وحُكمه بما لا تبديلَ له ولا تغيير.
وقيل: هو إشارة إلى علمِه الشَّامل لكلِّ معلومٍ (١).
* * *
(٤٠) - {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}.
وقوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ}: {وَإِمَّا} كلمتان؛ (إنْ) للشَّرط، و (ما) للتَّأكيد، والنُّون في {نُرِيَنَّكَ} كذلك.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٣٤ - ٢٣٥).