وقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا}: أي: إنَّ اللَّهَ تعالى يردُّ ضررَ المكرِ على الكفَّارِ، فلا يحصلون (١) مِن مكرِهم على شيءٍ، ويوضِّحُ اللَّهُ حُججَهُ لعبادِه، فيعودُ أثرُ مكرِهم عليهم؛ قال اللَّه تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} النمل: ٥٠ - ٥١.
وقيل: تحصيلُ هذا الكلام: أنَّ اللَّهَ مالكُ مكرِ العبادِ، لا يضرُّ الماكرون أحدًا إلَّا بإذنِ اللَّهِ، وقد ضَمِنَ اللَّهُ تعالى نصرةَ أوليائِهِ، فلا يعودُ ضررُ مكرِ المشركين إلَّا عليهم.
وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ}: أي: مِن خيرٍ أو شرٍّ، فهو مجازِيْها بهِ.
وقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ}: أي: عن قريبٍ يعلمون، وقرأ أبو عَمرو: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ} (٢)، وهو معرفة، فكان للجنس، فتضَمَّنَ معنى الجمعِ.
وقوله تعالى: {لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}: أي: يعلمون لِمَنْ تكونُ عاقبةُ الدَّار، وهذا وعيدٌ.
وقال القشيريُّ رحمَه اللَّه: مكرُ الكفَّارِ: إظهارُ الموافقةِ مع إبطانِ المخالفةِ، ومكرُ اللَّهِ بهم: إيهامُهم أنَّهم محسنونُ في أعمالِهم، وأنَّ لهم شيئًا مِن أحوالهم (٣).
* * *
(٤٣) - {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}.
وقوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا}: قال ابن عبَّاس رضي اللَّه
(١) في (ر) و (ف): "يحيطون".
(٢) وهي قراءة ابن كثير ونافع أيضًا. انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد (ص: ٣٥٩)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٤).
(٣) في (أ): "وأن بهم شيئًا من أحوالهم"، وفي (ر) و (ف): "وأن لهم شيئًا من أقوالهم"، وانظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٣٧)، وفيه: "وحسبانهم أنهم ستأمن أحوالهم".