وقوله تعالى: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}: أي: ما أنتم.
{تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}: أي: حجَّةٍ ظاهرة.
قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: في قولهم تناقضٌ مِن وجهَيْن:
أحدهما: أنَّهم تركوا طاعةَ رسلِهم، واتِّباعَ رسلِهم (١)؛ لأنَّهم بشرٌ مثلهم، ثمَّ أطاعوا آباءَهم واتَّبعوهم في عبادةِ الأصنامِ، وهم بشرٌ مثلُهم.
والثَّاني: أنَّهم لم يروا الرُّسُل مَتْبوعِين لأنَّهم بشرٌ، ثمَّ لا يخلو هم بأنفسِهم مِن أنْ يكونوا مَتْبوعين، استتبَعوا غيرَهُم ممَّن هو دونَهم، أو كانوا أتباعًا لغيرِهم، حيث قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} الزخرف: ٢٣، وذلكَ تناقضٌ.
وقوله تعالى: {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}: سألوا الحُجَّة على ما دَعوا إليه مِن ألوهيَّةِ اللَّهِ تعالى ووحدانيَّتِه، أو على ما ادَّعوا من الرِّسالة مِنَ اللَّهِ، وفي كلِّ شيءٍ وقعَ عليه بصرُهم دلالةُ وحدانيَّةِ اللَّهِ تعالى وألوهيَّته، وكذلك الرُّسلُ أقاموا الحُجَجَ (٢) على دَعوى الرِّسالةِ، وكانوا معاندِين في قولِهم: {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (٣).
* * *
(١١) - {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
(١) "واتباع رسلهم" ليس في (ف). وفي "التأويلات": (واتباعهم).
(٢) في (ر) و (ف): "أتتهم بالحجج".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٣٧١).