(٣٦) - {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}: أي: ضَلَّ بهنَّ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ، أضافَ الإضلالَ إليهنَّ بطريق التَّسبُّبِ؛ أي: إلى الأصنام، كما في قولِه تعالى: {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} المؤمنون: ١١٠.
وقال القشيريُّ رحمَه اللَّه: كانَ إبراهيمُ عليه السَّلام بينَ شهودِ فضلِ ربِّه، وشهودِ فَقْرِ نفسِهِ، فلِنَظَرِه إلى فضلِ ربِّهِ قال: {وَاغْفِرْ لِأَبِي} الشعراء: ٨٦، ولِنَظَرِه إلى فَقْرِ نفسِهِ قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}.
وقال: وقيل: شاهدَ عزَّ اللَّهِ واستغناءَه فقال (١): {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}، وشاهدَ فضلَه ورحمتَه ولطفَه فقال: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} الشعراء: ٨٦ (٢).
وقوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}: أي: فمَنْ كانَ على ديني في توحيدِكَ فإنَّه ممَّنْ أُمالِيْهِ (٣) وأَعُدُّه مِن جُملةِ أصحابي، كما قال في قصَّة طالوت: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} البقرة: ٢٤٩.
وقوله تعالى: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}: {غَفُورٌ}: تسترُ عليه ذنبَه، {رَحِيمٌ}: ترحمُه فتتوبُ عليه.
وقيل: أي: تُمْهلُه ولا تعاجِلُه بالعذاب، فهو كقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ
(١) في (أ): "شاهد عن اللَّه استغناءه فقال". وفي "اللطائف": (شاهد غيره فقال).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ٢٥٥).
(٣) في (ر) و (ف): "أوى إليه".