وقيل: {وَسَكَنْتُمْ} خطابُ مشركِي مكَّةَ، وانفصل عن الأوَّل.
وقوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا}؛ أي: وقد مكرَ بِكَ يا محمَّد أهلُ مكَّة {مَكْرَهُمْ}؛ أي: مكرَ أولئِكَ الأمم قبلَهم بأنبيائِهم.
قوله تعالى: {وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ}: أي: علمُ ذلكَ عندَ اللَّهِ، وهو محفوظٌ عليهم.
وقيل: وعندَ اللَّهِ جزاءُ مكرِهم.
قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}: قرأ الكسائيُّ بفتحِ اللَّام الأُولى، ورفعِ اللَّام الثَّانية (١)، وله وجهان:
وقدْ كانَ مكرُهُم لَتزولُ منهُ الجبالُ.
وما كانَ مكرُهُم إلَّا تزولُ منه الجبالُ.
وقد مرَّ شرحُه في قولِه تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} البقرة: ١٩٨، على الطَّرِيقَيْنِ (٢)، وهو تعظيمٌ لمكرِهم؛ أي: كادَ مِن قوتِه (٣) وعظمتِه يكون كذلك، وهو كقولِه: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} مريم: ٩٠.
ولكنَّه لم ينفذ ولم يضرَّ بالإسلامِ وأهلِه بدفعِ اللَّهِ تعالى، فيكونُ معنى الكلام: وإنْ كانَ مكرُهُم يكونُ بحيثُ تزولُ منه الجبالُ، كما قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} الأحزاب: ١٠؛ أي: كادَتْ، وهكذا عامَّة ما يُطلَقُ مِنَ الألفاظِ في تكثيرِ
(١) انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد (ص: ٣٦٣)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٥).
(٢) في (ر) و (ف): "الطرفين".
(٣) في (ر) و (ف): "قدرته".