ثالثًا: بيانُ خصائصِ هذا التفسيرِ وميِّزاتُه التي تميَّز بها عن غيرِه من التفاسير
لقد اجتمع في هذا التفسيرِ أمورٌ لم تجتمِعْ في أيِّ تفسيرٍ آخر؛ من متانةِ الأسلوب، ووضوحِ المعاني، وكثرةِ النِّكات، وقوةِ الحُجج، وغيرِ ذلك مما سنبيِّنه فيما يأتي.
١ - وأولُ ما تميَّز به هذا التفسيرُ: هو أسلوبه في تفسير القرآن بالقرآن، واعتمادُه على ذلك في الاحتجاج والبيان، ووصولُه فيه إلى درجةٍ لم يصلْ إليها أيُّ تفسير، وقد أعددْتُ لهذا دراسةً شاملةً ستأتي إن شاء اللَّه عند بيان منهج المؤلف في تفسيره هذا.
٢ - وإنَّ من أهم ما يُميِّز هذا التفسير: هو ذاك النَّفَسُ الإيمانيُّ والنَّفْحُ الرَّبَّانيُّ المتخالِطُ مع التفسيرِ اللفظي، والمتشابِكُ معه، بعباراتٍ لطيفةٍ رائقة، وألفاظٍ منتَقاةٍ لائقة، صادرةٍ عن قلبٍ خاشعٍ ولسانٍ ذاكر، فيَشعر الإنسانُ أنها تتغلغلُ في أعماقه، وتحرِّك منه المشاعر:
- كقوله في تفسير: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} بعد نقله كلامَ بعض العلماء في الصراط: وأنا أقول:
هو ما ليس عليه ظلامُ النُّكرةِ ولا غبارُ البِدعة.
هو ما لا يَضلُّ سالكُه ولا يهتدِي تاركُه.
هو ما لا يُخاف فيه قطعُ الطريق، ويُمدُّ سالكُه ببَدْرقةِ (١) العصمة والتوفيق.
(١) البدرقة قال في "التاج" (مادة: بذرق): بالذالِ المُعْجَمة والمُهمَلة، وقال ابْن بَرِّي: هِيَ الخفارة، وقالَ الهَروي في (فصل عصم) من كتابِه "الغريبين": إن البَذْرقَة يُقال لها: عصمةٌ؛ أَي: يعتصم بها. . . =