وقوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: مكرَ الكفَّارُ الذين كانوا قبل هؤلاء المشركين بأنبيائهم كما مكرَ بك هؤلاء، فلم يضرَّ ذلك بالأنبياء.
{فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}: أي: أبطلَ اللَّهُ مكرَهم، ونقضَ حجَّتَهم، وهو مجازٌ، كقولك لرجل إذا انكسَرَتْ حجَّتُه: قد بطلَ ما بنيْتَ، وانهدمَ ما أسَّسْتَ.
{فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}: أي: انقلبَ عليهم مكرُهم.
{وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}: أي: مِن الوجه الذين لا يشعرون أنَّه يأتيهم من جهته، وفي الوقت الذي لا يعلمون أنَّه يأتيهم فيه.
وقيل: هو على حقيقة البناء، ومعنى قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}؛ أي: الأساس {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ}؛ أي: سقط عليهم {السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}، فالخرور لا يكون إلَّا من فوق، وذكرَه للتَّأكيد، كما في قوله: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ} آل عمران: ١٦٧، وقوله: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} الأنعام: ٣٨، وقوله: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج: ٤٦.
ومعنى التَّأكيد: أنَّه للتَّحقيق، لا للمجاز، فقد يقولُ الرَّجلُ: خَرَّ عليَّ منزلي، ولا يريدُ سقوطَه عليه، فأما إذا (١) أراد ذلك قال: خَرَّ عليَّ مِن فوقي.
فهاهنا أراد: أنَّه (٢) سقطَ عليهم وهم تحتَه، فأهلكَهم اللَّهُ.
وفي التَّفسير: أنَّ هذا البناء كان لبختنصَّر.
وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما وزيد بن أسلم: وهو صرح نمرود (٣).
(١) في (ر): "فإذا"، وليست في (ف).
(٢) في (أ): "أنه أراد به أنه" بدل من "أراد أنه".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٤/ ٢٠٤).