وقيل: معناه: زادهم ضعفًا عن الابتِصار (١)، وعجزًا عن الاقتدار، كما قال الشاعر:
يا مُرسِلَ الريحِ جَنوبًا وصَبا... إنْ غَضبت زيدٌ فزِدْها غَضَبا (٢)
وزيدٌ قبيلةٌ، ومعنى الدعاءِ في هذا البيت: أي: لا تُقْدِرْها على الابتصار (٣) فيما غضِبت منه.
ثم هذه الصيغةُ للتحقيق عند بعضهم، وللدُّعاء عند آخرين.
فإن قالوا: الدعاءُ للعاجز عُرفًا، فما معنى هذا الدعاءِ من اللَّه تعالى؟
قلنا: هذا تعليمٌ من اللَّه تعالى أنه يجوزُ الدعاءُ عليهم، وهذا كقوله تعالى: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} التوبة: ٣٠، وقولهِ: {إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ} النساء: ١١٨ - ١١٧، وقريبٌ منه: {فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} الملك: ١١، وقولُه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}.
ثم: في هذه الآيةِ إثباتُ خلقِ الأفعالىِ من اللَّهِ تعالى طاعاتِها ومعاصيها، قال تعالى هاهنا: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}، وقال في آيةٍ أخرى: {زَادَهُمْ هُدًى} محمد: ١٧.
ثم قيل: زيادةُ مرضِهم كان بإنزالِ الآياتِ المتتابِعةِ والبراهينِ والحُجج المتناصِرة، قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
(١) في (ف) و (أ): "الانتصار".
(٢) الرجز للأخطل، وهو في "ديوانه" (ص: ٣١٩)، و"التمثيل والمحاضرة" للثعالبي (ص: ٧١)، و"تفسير الراغب" (١/ ٩٩)، و"تفسير القرطبي" (١/ ٣٠٠).
(٣) في (ف) و (أ): "الانتصار".