وقوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}: {لَا} هي ردٌّ لكلامهم، {جَرَمَ}؛ أي: كسب قولهم هذا أنَّ لهم النَّار، فإنَّهم كفروا وكذَّبوا.
{وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} قال سعيدُ بن جبير وقتادة ومجاهد والضَّحَّاك: متروكون في النَّار، منسيُّون فيها (١). من قول العرب: ما أفرطْتُ ورائي أحدًا؛ أي: ما خلَّفْتُ وما تركْتُ.
وقال الحسنُ وقتادةُ في رواية: مقدَّمون إلى النَّار معجَّلون إليها (٢).
وهو من قول العرب: أفرطْنا فلانًا في طلبِ الماء، فهو مُفْرِطٌ؛ أي: قدَّمناه لطلبِه، وفَرَطَ هو فهو فارِطٌ، من حد دخل؛ أي: تقدَّم، وجمعه الفُرَّاط، وقال القَطامِيُّ:
واستعجَلُونا وكانوا مِن صحابَتِنا... كما تعجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ (٣)
ومنه قولُ النِّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنا فَرَطُكُم على الحوضِ" (٤).
وقرأ أبو جعفر: {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} بكسر الرَّاء وتشديدها (٥)؛ أي: مقصِّرون في الواجب.
وقرأ نافع في رواية ورش: {مُفْرِطُونَ} بإسكان الفاء وكسر الرَّاء (٦)؛ أي: المجاوزون حدودَ الشَّرع، المسرفون في الذُّنوب.
(١) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (١٤/ ٢٦٣ - ٢٦٥).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٤/ ٢٦٦) عن قتادة، وذكره عن الحسن يحيى بن آدم في "تفسيره" (١/ ٧١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٧/ ٢٢٨٨).
(٣) انظر: "ديوان القطامي" (ص: ٩٠)، و"تفسير الطبري" (١٤/ ٢٦٥)، و"النكت والعيون" (٣/ ١٩٦).
(٤) رواه البخاري (٦٥٧٦)، ومسلم (٢٢٩٧)، من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه.
(٥) انظر: "النشر" لابن الجزري (٢/ ٣٠٤).
(٦) انظر: "السبعة في القراءات" (ص: ٣٧٤)، و"التيسير" (ص: ١٣٨). ذكراها عن نافع، ولم يفرقا بين ورش وقالون.