وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}: وهو من النِّعم التي عدَّها عليهم.
وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} القولَ فيتدَّبرونه بقلوبهم، وهو كما قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ق: ٣٧.
* * *
(٦٦) - {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً}: تعتبِرون بها في قدرة اللَّه تعالى على إحياء الموتى.
والعِبرةُ: تمثيلُ الشَّيء بالشَّيء لتُعرفَ حقيقته من طريق المشاكلة، ثم بيَّن هذه العبرة بقوله:
{نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}: أي: نعطيكم شرابًا من بطونِ ذوات الألبان من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم.
{لَبَنًا خَالِصًا}: يخرجُ مِن بين فرثٍ ودمٍ، فلا يتعلَّق به منها شيءٌ يؤثِّرُ في لونِه وطعمِه، بل يكون سائغًا هنيئًا، سهلَ الجري لمن شربَه، لا يغصُّ به، فكذلك يقدر على إخراجِ ما تبدَّد من أبدان الموتى مِن حيثُ تبدَّد وممَّا اختلط به، حتَّى يخلِّصه من جميع ذلك بدنًا كما كان في الدُّنيا، لا يختلط به من غيره شيءٌ.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: {نَسْقِيْكُمْ} بفتح النُّون، وقرأ الباقون بضمِّها (١).
(١) انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد (ص: ٣٧٤)، و"التيسير" للداني (ص: ١٣٨).