شك أن مَن استوفى هذه الخلالَ (١) فقد يَمُنَ طائره وسُعِد جدُّه، وقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا}؛ أي: أَحْكَم ربُّك الأمرَ (٢) لعباده وبتَّ (٣) القولَ عليهم فيما تعبَّدهم به أن يُفْردوه بالعبادة فلا يشركوا به أحدًا غيرَه.
قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}: أي: وأن تُحْسِنوا بالوالدين؛ أي: إلى الوالدين، كما قال: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} يوسف: ١٠٠.
وقوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ}: (إمَّا) كلمتان: (إنْ) للشرط (٤) و (ما) للصلة، والنون للتأكيد، وقرأ حمزة والكسائي وخلف: {يَبْلُغَنَّ} على التثنية؛ لسبقِ ذكر الوالدين في صدر الآية، وعلى هذا قولُه: {أَحَدُهُمَا} بدلُ البعض؛ كقولك: جاءني القوم بعضُهم، أو هو تفصيل، فقد قال: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا}.
وقرأ الباقون على الوحدان لأنه فعلُ قولهِ: {أَحَدُهُمَا} في ظاهر النظم، وعُطف عليه {أَوْ كِلَاهُمَا} (٥).
يقول: إنْ بلغ عندك الكبرَ الذي هو أرذلُ العمر وهما حينئذٍ في الحاجة إلى مَن يكفيهِما ويقومُ بمصالحهما كالولد في صِغَره حين حاجتِه إليهما، فلا تَستثقِلْ أن تليَ منهما ما كانا يليانه منك، ولا تُظهر لهما شيئًا من التكرُّه والتضجُّر قولًا ولا فعلًا، وهو قوله تعالى:
{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}: وفيها ستُّ لغاتٍ: الحركاتُ الثلاث بتنوينٍ وغيرِ تنوينٍ:
(١) في (أ): "الخصال".
(٢) في (ف): "حكم ربك الأمر" وفي (ر): "حكم ربك بالأمر".
(٣) في (أ): "وثبت".
(٤) في (ف): "الشرطية".
(٥) انظر: "السبعة" (ص: ٣٧٩)، و"التيسير" (ص: ١٣٩)، وقراءة يعقوب في "النشر" (٢/ ٣٠٦).