وقيل: إن خواصِّي ليس لك عليهم سلطانُ الوسوسة؛ لالتجائهم (١) إليَّ ودوامِ استعاذتهم بي؛ كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} الآية الأعراف: ٢٠١.
وقال القشيري رحمه اللَّه: قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} إنما يكون عبدُه مَن لا يكون في أسرِ غيره، فأما مَن استعبده هواه، واستَمْكَن من قلبه الأطماع، واسترقَّته كلُّ خسيسةٍ ونقيصة (٢)، فلا يكون من جملتِهم، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَعِسَ عبدُ الدِّينار، تَعِسَ عبدُ الدِّرهم" الخبرَ (٣).
وقيل: عباده هم المتفيِّئون بظلِّ عنايته لتبرُّئهم عن الحول والقوة، وانفرادِهم باللَّه بحُسن التوكُّل ودوامِ التفويض (٤).
ثم قوله: {اذْهَبْ. . . وَاسْتَفْزِزْ. . . وَأَجْلِبْ} هذه الألفاظُ الخارجة على صيغةِ الأمر على معنى تعجيز إبليس، وتعريفِه أن ذلك لا يضرُّ اللَّه شيئًا ولا يَنقص من ملكه، وأن سلطان إبليس إنما يجري على الجهَّال الذين قد أخرجهم اللَّه تعالى عن جملة مَن شرَّفهم بعبوديته.
وقوله تعالى: {وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}: أي: كافيًا لك، ومعتمَدًا لك (٥) في أمورك.
وفي الخبر: أن اللَّه تعالى لمَّا لعن إبليس وطرده قال: ربِّ أسألك أن تُعينني
(١) في (ر): "لاستنادهم"، وسقطت هذه الجملة من (ف).
(٢) في (ر): "واسترقه كل خسيس ونفيس".
(٣) رواه البخاري (٢٨٨٧) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨).
(٥) في (أ): "ومعتمدًا عليه".