وقيل: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} كلِّها {وَلَا تُخَافِتْ} بجميعِها {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}: بأنْ تجهر بصلاة الليل وتخافتَ بصلاة النهار، و {بَيْنَ ذَلِكَ} في معنى: بين ذينِكَ؛ كما مر في قوله: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} البقرة: ٦٨.
وقال الضحاك: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} رياءَ الناس {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} مخافةَ الناس (١).
وقال الحسن: لا تُحسِن صلاتك في العلانية وتُسيئها في السر (٢).
وقال عليٌّ وعائشةُ رضي اللَّه عنهما: هذا في الدعاء (٣)، يقول: لا تجهَرْ باستغفارك وتوبتك فيسمعَه غيرُك فيلومك بذنبك.
وقال مقاتلُ بن حيَّان: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جهَر في صلاته سبَّه المشركون ولغَوا (٤)، فنزلت الآية: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيسمعَ المشركون {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} حتى لا يسمعَ أصحابك (٥).
ومرَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأبي بكر وهو يخافتُ بالقراءة، ومرَّ بعمر رضي اللَّه عنه وهو يجهر بالقراءة، فلما أصبح ذكر لهما ذلك، فقال الصدِّيق رضي اللَّه عنه: كنتُ أُسمع مَن أناجيه. وقال الفاروق رضي اللَّه عنه: كنتُ أوقظُ الوسنانَ وأطردُ الشيطان، فأمر أبا بكر أن يجهر قليلًا وعمر أن يخفض قليلًا (٦).
(١) لم أجده هكذا، وروى الطبري في "تفسيره" (١٥/ ١٣٠) عنه كقول ابن عباس وقتادة المتقدم.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٥/ ١٣٤ - ١٣٥)، وفي رواية: قال: (لا تحسن علانيتها، وتسيء سريرتها).
(٣) رواه البخاري (٤٧٢٣)، ومسلم (٤٤٧)، والطبري في "تفسيره" (١٥/ ١٢٥)، عن عائشة رضي اللَّه عنها.
(٤) "ولغوا" ليس من (ف).
(٥) هو مثل قول ابن عباس وقتادة المتقدم.
(٦) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" (٥/ ٣٥٠) عن الربيع، وبنحوه الطبري في "تفسيره" (١٥/ ١٣٢) عن ابن سيرين، وكلاهما مرسل.