ليعتبرَ هؤلاء المشركون بما أدَّاه إليه تكبُّره، ويعلموا أنهم يَفسُقون بتكبُّرهم أيضًا على فقراء المؤمنين.
وقوله تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ}: قيل: هم جنس من الملائكة سُمُّوا به لاجتنانهم عن أعين الناس، وهو كقوله: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} الصافات: ١٥٨؛ أي: الملائكةِ بقولهم: الملائكة بناتُ اللَّه، وهذا قول محمد بن إسحاق (١).
وقال قوم: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ}؛ أي: من خزَّان الجِنَان (٢).
وقال سعيد بن جبير رضي اللَّه عنه: كان من قبيلة يصوغون الحليَّ لأهل الجنة (٣).
وقيل: بل كان من الجن الذين في الدنيا (٤)، وهم المذكورون في قوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} الأنعام: ١٣٠ ونحوها من الآيات.
وقد بينَّا الاختلاف بين العلماء في ذلك وحججَ الفريقين في سورة البقرة عند قوله: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} البقرة: ٣٤ أن هذا الاستثناء متصلٌ أم منقطع (٥)، وذكرنا القول المعتمد عليه في تلك السورة بحمد اللَّه تعالى.
{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي}: استفهام بمعنى التوبيخ والإنكار (٦)؛ أي: أتتولَّون إبليس وأولاده بالطاعة لهم والاقتداء بهم.
(١) رواه عنه الطبري في "تفسيره" (١/ ٥٣٨ - ٥٣٩).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٥/ ٢٨٧ و ٢٩٨ - ٢٩٠) عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك.
(٣) رواه ابن الأنباري في "الأضداد" (ص: ٣٣٤)، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" (٥/ ٤٠٢).
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (١٥/ ٢٨٩) عن الحسن قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجنّ، كما أن آدم عليه السلام أصل الإنس.
(٥) في (أ): "منفصل".
(٦) في (أ): "والاستنكار".