وقوله تعالى: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}: قرأ حمزة والكسائي وحفصٌ عن عاصم بكسر العين، والباقون بضمِّها (١).
والعُتِيُّ: هو بلوغ نهاية الكبر، وقد عتَا يَعْتُو عُتُوًّا وعِتِيًّا وعُتِيًّا، فهو عاتٍ، وهو الذي غيَّره طول الزمان إلى حال اليبس والجفاف.
وقال أبو عبيدة: كلُّ متناهٍ في كفرٍ أو فسادٍ أو كِبرٍ فهو عاتٍ (٢).
وقال نفطويه: أراد به بلوغَ العمر الطويل، يقال: ليلٌ عاتٍ؛ أي: طويلٌ.
وقيل: أراد زكريا بهذا: إني مع شدة حاجتي إلى الولد كبيرٌ لا يولد لمثلي، وامرأتي عاقرٌ لا يولد لمثلها، وأنت القادر على ما تشاء، فالْطُفْ لي بالولد كيف شئتَ، وأنت قادر على أن تحوِّلنا شابَّين، وأن تهبَ لنا الولد مع ما بنا، وكان هذا استخبارًا أنه: يولد لهما على هذه الحالة أو بعد الإحالة؟
* * *
(٩) - {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}.
وقوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ}: أي: أنت وامرأتُك كما قلتَ.
{قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ}: خلقُ هذا الولد عليَّ سهل {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ}؛ أي: أبدعتُك من قبلِ إخباري إياك عن خَلْق يحيى.
وقوله تعالى: {وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}: أي: بشرًا كما أنت الآن، أو هو نفيُ الخَلق عن شيء في الابتداء، فإنَّ ما خَلَق اللَّهُ في الابتداء خلَقه لا من شيءٍ، ثم الآن وإن كان يتراءى خلقُ الولد من نطفةٍ وخلق النبات من حبةٍ (٣)، لكنَّ الأصل ما قلنا.
(١) انظر: "السبعة" (ص: ٤٠٧)، و"التيسير" (ص: ١٤٨).
(٢) انظر: "مجاز القرآن" (٢/ ٢).
(٣) في (ر) و (ف): "الحب".