ثم إنما قال: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} على الوحدان وإن كان معنى (١) قوله: {مَثَلُهُمْ} على الجمع لوجوهٍ:
أحدها: أن معناه: مَثَلُ كلِّ واحدٍ منهم كمَثَل المستوقِد، وهذا (٢) كقوله تعالى: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} غافر: ٦٧ ولم يقل: أطفالًا، وإن خاطب الجمع؛ لأن معناه: يُخرج كلَّ واحدٍ منكم طفلًا.
وقيل: هو اسم جنسٍ فيَصلح للواحد والجمع.
وقيل: المُوقِدُ للجمع يكون واحدًا والمستضيئون كثيرًا.
وقيل: هو تمثيلُ فعلِهم لا أعيانِهم، ومعناه: مَثَلُ فعلِ المنافقين كمَثَل فعلِ المستوقِد، وكِلَا الفعلين واحدٌ، وإضمارُ الفعل في الاسم جائزٌ كما في قوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} لقمان: ٢٨؛ أي: كخَلْقِ نفسٍ واحدةٍ وبَعْثِها.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ}: أي: أنارت، والضوء: النور، وضاء؛ أي: نارَ، وأضاءَ يكون بمعنى ضاء أيضًا لازمًا، ويكون متعدِّيًا بمعنى نوَّر، وهو في قوله: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ} البقرة: ٢٠ لازمٌ، ويكون ضاء وأضاء بمعنًى واحدٍ، كقولهم (٣): نارَ وأنار، وبان وأبان.
وفي هذه الآية: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} متعدٍّ، لأنه ذكَره بالتاء، ومعناه: فلما نوَّرتِ النارُ المواضعَ التي حول هذا المستوقِد، ولو كان لازمًا لكان يقول: فلما أضاء ما حوله؛ لأن (ما) مذكَّرٌ.
(١) "معنى" من (ف).
(٢) في (ف): "وهو".
(٣) في (أ): "واحدًا كقولك"، وفي (ف): "واحدٍ كقولهم"، بدل: "بمعنى واحدٍ كقولهم".