(٥٤) - {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى}.
وقوله تعالى: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ}: أمرٌ بمعنى الإخبار؛ أي: لتأكلوا منها أنتم وتَرعوا أنعامكم منها (١)، وهذا كقوله: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} النازعات: ٣٣: اللباب لكم والقشور لأنعامكم.
وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى}: أي: العقولِ؛ جمع نُهْيةٍ؛ لأنَّها تَنْهَى عن القبيح، ولأنها يُنتهى إليها في إمضاء الأمور.
وخصَّ بكونها آياتِ أهل (٢) النهى لأنهم أهل التفكُّر والاعتبار والتدبُّر.
وهذا كلُّه احتجاج من موسى على فرعون في إثبات الصانع جوابًا لقوله: {فَمَنْ رَبُّكُمَا}.
* * *
(٥٥) - {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}.
وقوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ}: وهذا بناء على قوله: {فَأَخْرَجْنَا} على قولِ مَن جعله خبرًا من اللَّه عن نفسه، فإن جُعل ذلك خبرًا من موسى فهذه الآية ابتداءُ الإخبار من اللَّه تعالى عن نفسه.
{مِنْهَا}؛ أي: من الأرض {خَلَقْنَاكُمْ}؛ أي: خلقنا أباكم آدمَ من تراب، وفي الخبر: أن ملَك الأرحام يصنع (٣) النطفة على كفِّه، ويجعل فيها تربةً من موضع قبره، فإذا مات دُفن في موضعِ رفعِ تلك التربة (٤).
(١) في (ف): "وتزرعوا منها لأنعامكم".
(٢) في (ر) (ف): "أولي".
(٣) في (ف): "يضع".
(٤) رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (١/ ٢٦٧)، وأبو نعيم -كما في "تفسير القرطبي" =