وقوله تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ}: أي: شيء قليل، وهو من قولهم: نَفَح الوردُ: إذا فاح شيءٌ من رائحته، قال الشاعر:
وعَمْرةُ هن سَرَواتِ النِّسا... ءِ تنفحُ بالمسكِ أردانُها (١)
ونفح لفلان من عطائه (٢)؛ أي: أعطاه شيئًا منه، قال أبو تمام:
وانفَحْ لنا من طِيبِ خِيْمِكَ نفحةً... إنْ كانت الأخلاقُ مما تُوهَبُ (٣)
يقول عز وجل: ولئن أصابت هؤلاء المستعجِلين بالعذاب (٤) {نَفْحَةٌ}؛ أي: شيء قليل من {عَذَابِ رَبِّكَ} {لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}؛ أي: لأقرُّوا على أنفسهم بظلمهم عليها، ولنادوا بالويل جزعًا مما أصابهم، أَخبرَ أنه لا طاقة لهم باحتمالِ قليلِ العذاب فكيف بالكثير؟
* * *
(٤٧) - {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.
وقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}: أي: ونحضِر الموازين التي لا جَور فيها -بل هي كلُّها قسطٌ؛ أي: عدلٌ- لوزن الأعمال يوم القيامة.
(١) البيت لقيس بن الخطيم كما في "الأغاني" (١٦/ ٣٥)، وعمرة هي بنت رواحة أخت عبد اللَّه بن رواحة وأم النعمان بن بشير. انظر: "أسد الغابة" (٧/ ٢١٩)، و"الإصابة" (٨/ ٣١).
(٢) في (ر) و (ف): "عطاه".
(٣) انظر: "الموازنة بين شعر أبي تمام والمتنبي" للآمدي (١/ ٣٣٢).
(٤) "بالعذاب" ليست في (أ).