{فَنَفَخْنَا فِيهَا}؛ أي: جبريلُ في جيبها {مِنْ رُوحِنَا}: من روحٍ خلقناها (١) نحن بعيسى على الخصوص، وهي إضافة تخصيصٍ كبيتِ اللَّه وناقةِ اللَّه.
ذكَر مريم -وهي ليست من الأنبياء- بعد ذكر الأنبياء ليَتِمَّ ما أُريد من ذكر عيسى، ألا تَراه قال: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} فجعلهما معًا آيةً واحدة؛ لأن الآية كانت باجتماعهما، وهي الأعجوبة للخلق والدلالةُ على نفاذِ قدرة اللَّه تعالى على ما يشاء، إذ وُلد عيسى من غيرِ أبٍ ووَلَدت هي من غيرِ زوج.
* * * *
(٩٢ - ٩٣) - {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ}.
وقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}: قيل: هو خطابُ هؤلاء الأنبياء: إن هذا دينُكم دينًا واحدًا، نُصب على القطع، وكان الأنبياء كلُّهم على دينٍ واحدٍ في التوحيد والطاعة، وإنما اختلفت شرائعُهم وأحكامهم، وهو كقوله خبرًا عن الكفار: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} الزخرف: ٢٢، وهي من الأَمِّ وهو القصدُ، وكلُّ ذي دِينٍ قاصدٌ إلى ما يَدِين به.
{وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}؛ أي: وحِّدوني وأطيعوني؛ أي: اثبُتوا على هذا.
{وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ}: أي: تقسَّموا وتوزَّعوا أمرهم في أديانهم، يعني: بعضُ أممهم فعلوا ذلك فدانوا بأديانٍ مختلفة يهوديةٍ ونصرانيةٍ ومجوسيةٍ وإشراك.
قوله تعالى: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ}: فنجازي كلًّا جزاءَ مثله.
وقيل: هذا خطابٌ للمشركين، وقولُه تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}؛
(١) في (ف): "خلقنا".