والثالث: على ما كُتب فيه، واللام بمعنى (على)؛ كما قال: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} الإسراء: ٧؛ أي: فعليها.
{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}: أي: كما ابتدأناها أولَ ما خلقناها نُعيد خلقَها في القيامة.
وقيل: نجعلها سماءً واحدة كما كانت، قال اللَّه تعالى: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} الأنبياء: ٣٠، وهو قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} إبراهيم: ٤٨ وهو قولُ الحسن: نعيدها بعد إهلاكها.
وقيل: هو مستأنفٌ؛ أي: نعيدُ الخلق يومَ القيامة كما خلقناهم أولَ مرةٍ حُفاةً عُراةً غُرلًا كما كانوا في بطون أمهاتهم، وهو قول الفراء (١)، يدلُّ عليه ما بعده، وهو قوله تعالى: {وَعْدًا عَلَيْنَا} وكان ذلك للخَلْق؛ كما قال: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} النحل: ٣٨.
وقوله تعالى: {وَعْدًا عَلَيْنَا}: أي: وعدًا كائنًا لا محالةَ، و (على) كلمة تحقيق.
{إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}: أي: محقِّقِين هذا الوعدَ فاستعِدُّوا له وقدِّموا صالح الأعمال للخلاص من الفزع الأكبر.
وقال القشيري رحمه اللَّه: كانت السماء سقفًا مرفوعًا لأن الأولياء تحتها، والأرضَ فراشًا ممهدًا لأنهم عليها، فإذا ارتحل الأحباب طُوي الفراش ونُقض السقف (٢).
* * *
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٢١٣)، ولفظه: انقطعَ الكلام عند (الكتب)، ثُمَّ استأنف فقال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} فالكاف للخلق؛ كأنك قلت: نعيد الخلق كما بدأناهم أَوَّلَ مرَّة.
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٥٢٥).