أي: فوِّضِ الأمر إلى اللَّه وقل: يا ربِّ احكم بالحق بيني وبين هؤلاء بنُصرتي عليهم، وإظهارِ حقِّي على باطلهم، وإنزال (١) نقمتك عليهم، وهو كقوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} الأعراف: ٨٩، وعلى هذا: (الحق) هو ما يستحقونه.
وقيل: استُجيب هذا فيهم يومَ بدر.
وقيل: معناه: احكُم بحكمك وهو الحقُّ، فذكر النعت مكان المنعوت.
وقال قتادة: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا شهد قتالًا قال: {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} (٢).
وقوله تعالى: {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}: قرأ ابن عامر في روايةٍ بياء المغايبة (٣)، والباقون بتاء المخاطَبة.
أمره بأن يخاطب الكفار فيقولَ لهم: ربُّنا هو الرحمن المستعان على إزالة ما تصفون من الشرك، وما تقولون في صفتي وصفة القرآن {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ} الأنبياء: ٣ {افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} الأنبياء: ٥ {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} مريم: ٨٨، هو المستعان على تغيير هذا، والحكمِ بيني وبينكم بالحق، ويكون {قُلْ} في أول الآية أمرًا بشيئين: أي: قل داعيًا {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}، وقل: متوعِّدًا للكفار {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
ومَن قرأ بياء المغايبة فمعناه: قل للمؤمنين مبشرًا لهم ومطيِّبًا قلوبَهم: ربُّنا الرحمن يرحمكم وينصركم، المستعان على ما يصف الكفار من الباطل.
(١) في (ف): "حقي على ظلمهم وأنزل"، وفي (ر): "حقي على من ظلمني وأنزل".
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (١٨٩٤)، والطبري في "تفسيره" (١٦/ ٤٣٨).
(٣) هي رواية ابن ذكوان عن ابن عا مر بخلف عنه، ورواية المفضل عن عاصم. انظر: "السبعة" (ص: ٤٣٢)، و"النشر" (٢/ ٣٢٥).