وشرب الألبان، والانتفاع بالأوبار، ثم بالاعتبار بخلقها كيف سُخِّرت للناس على قوَّتها وصُورتها، ثم كيف تنقاد للصبيان في البروك (١) للحمل والركوب والنزول، وصبرِها على العطش في الأسفار، واكتفائها بقليل العلَف، ثم بما في طبعها من اللَّطافة حتى تستريحُ بالحُداء مع كثافةِ صورتها، إلى غير ذلك (٢).
وقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}: جمع صافَّةٍ، وهي القائمة، وهي نصبٌ على الحال؛ أي: اذكروا اسمَ اللَّه عليها عند نحرِها وهي قائمةٌ شرطًا للذَّكاة وتسميةً للَّه تعالى، دون جعلِها للأصنام كفعلِ الكفار.
وقوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}: أي: سقطت على الأرض بعد نحرها قائمة.
وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ}: قيل: القانع: الذي يَرْضَى بما يُعْطَى وبما عنده ولا يَسأل، والمعترُّ: الذي يتعرَّض لك أن تُطعمه.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادةُ: القانع: الذي لا يَسأل، والمعترُّ: الذي يَسأل (٣).
وقال الحسن وسعيد بن جبير: القانع: الذي يَسأل، والمعترُّ: الذي يَتعرَّض ولا يَسأل (٤)، وعليه أهل اللغة، فيقال: قَنَعَ يَقْنَعُ قُنوعًا من بابِ صنع؛ أي: سأل، وقَنِعَ يَقْنَعُ قناعةً من بابِ عَلِم: إذا رضي بما رُزق، قال الشمَّاخ:
لمالُ المرء يصلحُه فيُغْني... مَفَاقِرَه أَعَفُّ من القُنوع (٥)
(١) في (ر): "تنقاد للناس في النزول".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٥٤٥).
(٣) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (١٦/ ٥٦٣ - ٥٦٥).
(٤) رواه عنهما الطبري في "تفسيره" (١٦/ ٥٦٥ - ٥٦٦).
(٥) انظر: "ديوان الشماخ" (ص: ٢٢١)، وأنشده سعيد بن جبير في قوله السابق. انظر: "تفسير الطبري" =