وقوله تعالى: {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ}: أي: كالذي أمرتُكم بنحرها ذلَّلْتُها لكم مع عِظَم أجسامها فلا تمتنعُ عليكم، ولو أعطيتُها ما أعطيتُ السباع لصعب عليكم نحرُها.
وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: أي: فعلتُ ذلك بكم لتشكروا نِعمي بذلك.
* * *
(٣٧) - {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}.
وقوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا}: أي: لا تبلغ رضاه ولا يكون مقبولًا عنده أعيانها {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}: وهو قصدُ الائتمار، وطلبُ الرضا، والاحتياطُ في ذلك، والتحرُّزُ عن الحرام والشبهة.
وقيل: لمَّا أمرهم بأكلها ظنُّوا أنها ردَّت إليهم أو صارت (١) لهم لا للَّه تعالى، فأَخبر أن للَّه مِن عبده ما أَخلص له من النية والعمل، دون أعيان ما يَتقرب بها.
وقال مجاهد: كان أهل الجاهلية يذبحون ويشرِّحون اللحم فيَنصبونه على أنصابٍ حول الكعبة، وينضحون ما أقبل منها (٢) بدمائها، فلما كان الإسلام ذكر المسلمون فعلهم لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسكت، حتى نزلت هذه الآية (٣).
(١) في (ف): "وصارت".
(٢) "ما أقبل منها" ليس في (ف). وفي المصادر: (ما أقبل من البيت).
(٣) ذكره ابن عطية في "المحرر الوجيز"، والقرطبي في "تفسيره"، وأبو حيان في "البحر"، جميعهم عن ابن جريج عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} المائدة: ٣، وفيه: فأنزل اللَّه تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} ونزلت: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}. ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" (٦/ ٥٦) بلفظ: كان أهل الجاهليَّة ينضحون البيت بلحوم الإبِل ودمائها فقال =