وبعضها جلدًا، وبعضها مخًّا، وبعضها عِرْقًا، ثم خصَّ كلَّ عضوٍ بهيئةٍ مخصوصة، وكلَّ جزء بكيفيةٍ معلومةٍ.
{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} يحتمِل: مِن سمعٍ وبصرٍ، وفكرٍ وغضبٍ، وإرادةٍ وقدرةٍ، وعلمٍ وكتابة، وحَدَاقة وملاحة، وشجاعة وجُبن، وحِقد وحَرَد، إلى غير ذلك من الأوصاف التي يتقاصر عنها الحصر.
وقيل: هو أن هيَّأهم لأحوالٍ عزيزةٍ يُظهرها عليهم بعد بلوغهم إذا استووا وحصَل لهم كمال التمييز من فنون الأحوال، فلقومٍ تخليص من رِبْقة العبودية (١)، ولقومٍ تحرُّرٌ من رقِّ البشرية، ولآخرين تحقُّقٌ بالصفات الصَّمدية.
{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}: خلق السماوات والأرضين والعرشَ والكرسيَّ، مع سائر المخلوقات من الجنة بزينتها ومن النار بأهوالها، وأخبر عنها ولم يعقِّبها بهذا التمدُّح الذي ذكر بعد ذكر (٢) خلقه بني آدم؛ تخصيصًا لهم.
وقيل: لما ذكَر نعتكَ وتاراتِ حالك، ولم يكن لك لسانُ شكر ينطق (٣)، ولا بيان مدح ينطلِق (٤)، ناب عنك بالثناء على نفسه، فقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.
ثم قال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ}:
آخِرُ الأمر ما تَرَى... اللحدُ والقبرُ والثرى
(١) في (أ): "فلقوم ربقة العبودية" وليست في (ر) و (ف)، وفي مطبوع "اللطائف": (فلقوم تخصيص بزينة العبودية)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) "ذكر" زيادة من (ف).
(٣) في (ف): "منطلق".
(٤) في (ر) و (ف): "ينطق".