وانتظام أول هذه السورة بآخر تلك السورة: أنه أُمر في آخر تلك السورة بسؤال الرحمة، ونيلُ الرحمة بأداء الطاعة دون فعل المعصية، فقد قال في أول هذه السورة في حقِّ مَن عصَى اللَّه: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}.
وانتظام السورتين: أنه بدأ تلك السورة بخلقِ الإنسان، ثم بما أنعم عليه، ثم بالأمر بالتوحيد وعاقبةِ أهله وذكرِ الشرك وعاقبةِ أهله، وختم بالأمر بالدعاء، وبيَّن في هذه السورة المعاملاتِ والجزاءَ على الموافقات والمخالفات، وهو ترتيبٌ معقول يشهد بحُسنه الأصول.
* * *
(١) - {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
وقوله تعالى: {سُورَةٌ}: أي: هذه سورة؛ أي: قطعةٌ ودرجةٌ من الكتاب الذي وعدْتُ أن أُنزله عليك.
وقوله تعالى: {أَنْزَلْنَاهَا}: أي: أنزلناها إليك من السَّماء.
وقوله تعالى: {وَفَرَضْنَاهَا}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد، والباقون بالتخفيف (١)، ومعنى التخفيف: فرضُ العمل بها، فأضاف الفرض إليها اختصارًا لوضوح المراد.
قال الضحاك: أوجَبْناها (٢).
ومعنى التشديد: أنزلنا فيها فرائض مختلفةً وفرضناها عليكم وعلى مَن بعدَكم إلى يوم القيامة، والتفعيلُ في الفعل الثلاثي المتعدِّي يكون للتكثير والتذكير.
(١) انظر: "السبعة" (ص: ٤٥٢)، و"التيسير" (ص: ١٦١).
(٢) لم أجده عن الضحاك، وهو قول كثير من المفسرين. انظر: "معاني القرآن" للنحاس (٤/ ٤٩٣)، و"تفسير الثعلبي" (٧/ ٦٣)، و"البسيط" للواحدي (١٦/ ٦٤).