وعن سعيد بن المسيب: أن الآية كانت على ظاهرها في تحريم نكاح الزانية على الزاني وغيره، وأن الأمر كان على ذلك إلى أن نسخ ذلك وأبيح لها أن تنكح مَن شاءت من الزاني وغيره، والنسخُ بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} النور: ٣٢ (١).
وأصح الأقاويل فيها: أنها ترهيب في نكاح البغايا.
وتأويل ذلك: أن أهل الإِسلام والإيمان سبيلُهم أن لا يرغبوا إلا في المسلمات العفائف، فالزاني إنما يميل إلى مَن هي على مذهبه في الزنا والتهتُّك، وإلى مَن لا يعتقد الإيمان، فهو لا يفكر في التعفُّف.
والزانية أيضًا إنما تميل إلى أحد رجلين: إما إلى زانٍ مثلِها، وإما إلى مشركٍ شرٍّ منها؛ أي: فالزنا عديلُ الشرك في أنه قبيح، وأهلُ الإيمان بمعزلٍ عنه، فإن الإيمان قَرينُ العفاف والتحصُّن، فأنتم معاشر الراغبين في البغايا إن كنتم مؤمنين حقيقُون بالزهد فيمَن مذهبُها بمعزلٍ عما يوجبه مذهبُكم في الإيمان، وهو نظير قوله في تأويل بعصهم: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} الآية النور: ٢٦.
وقوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}: أي: حرم الزنا، وقيل: الشركُ، وقيل: نكاحُ البغايا قصدَ التكسب بما يأخذون من الزنا.
* * *
(٤) - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
(١) رواه يحيى بن سلام في "تفسيره" (١/ ٤٢٧)، والشافعي في "أحكام القرآن" (٢/ ٥٥١)، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (١٧١)، والطبري في "تفسيره" (١٧/ ١٥٩ - ١٦٠)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٨/ ٢٥٢٤).