وقوله تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: أي: لا تنظروا إلى فقر الخاطب أو فقرِ المخطوبة، ففي فضل اللَّه ما يغنيهم، والمال غادٍ ورائحٌ، وقد يقع الغنى، فليس الفقرُ بمانع من الرغبة في الإنكاح، وليس المراد به الوعدَ والغنى على وجهٍ يكون (١) لا محالة.
ومنهم مَن قال: هو وعدٌ به؛ قال عمر رضي اللَّه عنه: ابتَغوا الغنى في النكاح (٢)، ما رأيتُ مثل مَن قعد أيمًا بعد هذه الآية (٣).
وقد تكون المرأة فقيرة فتستغني بالنكاح بالمهر والنفقة.
وقد يتناكحان ويتعاونان على المعاش فيستغنيان.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ}: أي: غنيٌّ قادر على إغنائكم {عَلِيمٌ} بمصالح عباده فيُغني إذا رأى الصلاح في الغنى.
وقيل: {عَلِيمٌ} بنيَّاتكم في إنكاح (٤) عبيدكم وإمائكم، أنه للإعفاف أو غيرِ ذلك، فيجزيكم على نياتكم.
ويروَى عن بعض الصحابة رضوان اللَّه عليهم: أنه كان منكاحًا مطلاقًا، فقيل له في ذلك، فقال: إن اللَّه تعالى وعد الغنى فيهما (٥)، فقال: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ
(١) "يكون" ليست في (أ).
(٢) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (١٠٣٨٥) و (١٠٣٩٣).
(٣) ذكر هذه القطعة عن عمرَ رضي اللَّه عنه أبو أحمد القصاب في "النكت الدالة على البيان" (٢/ ٤٧٥). وفي "الوسيط" للواحدي (٣/ ٣١٨) نحوه، ولفظه: وقال قتادة: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: ما رأيت مثل رجل لم يلتمس الغنى في الباءة، واللَّه يقول: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
(٤) في (ف): "نكاح".
(٥) في (ر) و (ف): "في ذلك".