وصار حاصل جواب أهل اللغة والتفسير فيها على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها بين الشجر بحيث لا تُصيبها الشمس بالغداة والعشيِّ، لالتفافِ الشجر حولها، وتغطيته إياها.
والثاني: أنها بارزة للشمس في وقتٍ خافيةٌ عنها في وقت، فقد أخذت من الشمس والظل حظًّا كاملًا (١).
والثالث: أنها بارزة للشمس كلَّ النهار، فتزكو ويَكثر زيتونها، ويصفو زيتُها حتى يكادُ لضيائه يضيء عن النار، وهو قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}.
وقال الحسن: هذه ليست من شجر الدنيا بل هي من شجر الجنة، فلا تكون شرقية ولا غربية (٢).
وجملتُه: أن ذكر هذه الأشياء جميعًا بيانُ قوةِ حُجج اللَّه تعالى، واكتنافِ النور لها من جوانبها، وتتابُعِها من جهات العقل والتوفيق (٣)، والوعدِ والوعيد، وتكرارِ المواعظ، وضرب الأمثال، وذكرُ المشكاة -وهي الكوةُ التي لا منفذَ لها كما فسَّره ابن عباس رضي اللَّه عنه وابن جريجٍ وأهلُ اللغة (٤) - على معاني استجماع النور؛ لأن المصباح إذا كان في موضعٍ نافذ انتشر ضياؤه.
وقوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}؛ أي: أن حُجج اللَّه في
(١) "كاملًا" ليست في (أ).
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٢٠٤٩)، والطبري في "تفسيره" (١٧/ ٣١٢).
(٣) في (ر) و (ف): "من جهة العقل فيه التوفيق".
(٤) رواه عن ابن جريج الطبري في "تفسيره" (١٧/ ٣٠٥). وذكره عن ابن عباس الواحدي في "البسيط" (١٦/ ٢٦٠).