وقيل: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً}؛ أي: يَخلُف كلُّ واحد منهما صاحبه، فيكون خَلَفًا عنه، ووحِّد لأنه كالمصدر، قال زهير:
بها العِينُ والآرامُ يَمشِينَ خِلْفةً... وأطلاؤُها يَنهَضْنَ من كلِّ مَجْثَمِ (١)
كأنه قال: جَعَل كلَّ واحدٍ منهما خلَفًا عن الآخر فيما أَمر به فيهما، حتى إذا فاته ما أُمر به في أحدهما أتى به في الآخر، فيكون إخبارًا عن توسعةِ الأمر على عباده في نوافل الطاعات؛ يأتي بما فاته في الليل القصير في النهار الطويل الذي بعده، وكذا الآخر، قاله الحسن (٢).
وقيل: إنهما خلفةٌ في النقصان والزيادة يتعاقبان حثيثين إلى أجلٍ مسمى، وهو كقوله: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} الحج: ٦١.
* * *
(٦٣) - {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.
وقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}: ثم وصف أولياءه بعدما ذكر في كلِّ السورة أعداءه، فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}؛ أي: وعباد اللَّه الذين رضي اللَّه بهم عبادًا، وخصَّهم بإضافتهم إليه بالعبودية تشريفًا لهم ورفعًا (٣) لأقدارهم؛ كما يقال: بيت اللَّه، وناقة اللَّه، وشهر اللَّه.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}: إذا خرجوا يمشون بين (٤) الناس
(١) "ديوان زهير" بشرح ثعلب (ص: ٥). قال ثعلب: العين: البقر، والطلا: ولد البقرة، وولد الظبية الصغير.
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٢٠٩٦)، والطبري في "تفسيره" (١٧/ ٤٨٦).
(٣) "لهم ورفعًا" ليس في (أ).
(٤) بعدها في (ر) و (ف): "يدي".