و (كنتُم) في القرآن جاء للماضي والحال والاستقبال، وقد بينَّا ذلك في كلمةِ (كان) عند قوله: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} البقرة: ١٠.
و (كنتم) أيضًا على ذلك: أمَّا للماضي ففي قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} البقرة: ٢٨، وأمَّا للحال ففي قوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} آل عمران: ١٣٩، وأمَّا للاستقبال ففي قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} الواقعة: ٧؛ أي: يوم القيامة.
وقوله: {فِي رَيْبٍ} أي: شكٍّ، وقد مر شرحُه في قوله: {لَا رَيْبَ فِيهِ}.
وقوله تعالى: {مِمَّا نَزَّلْنَا}: (مما) كلمتان: (مِن) و (ما)، أُدغمت النونُ في الميم فصارتا ميمًا واحدةً مشدودةً خَطًّا وميمين نُطقًا.
و (ما) بمعنى: الذي، ومعنى (ما نزلنا)؛ أي: الذي نزَّلنا وهو القرآن، وإنزالُه: ما فسَّرناه في قوله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} البقرة: ٤.
والتنزيل: التفصيل، ودلَّت (١) الكلمةُ على إنزاله مفصَّلًا، وحكمتُه ما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} الفرقان: ٣٢.
نزلت كتب الأوَّلين جملةً فتركوها جملةً، ونزل القرآن مفصَّلًا فبقي في القلوب مثبَتًا محصَّلًا.
ولأن أولياء اللَّه اليوم في دار الحَجْبة، فجدَّد لهم الأُنسَ بكتابه ساعةً فساعةً، وقد ذكر اللَّه تعالى تنزيلَه (٢) ثلاثةَ أشياءَ شيئًا فشيئًا:
القرآنَ: بقوله: {مِمَّا نَزَّلْنَا}.
(١) في (أ): "للتفصيل فدلت".
(٢) في (أ): "تنزيل".