عنه ذلك، حضره ذلك بعد سنين كثيرةٍ حتى خاف في الحال التي لا يخاف فيها سائر الرسل، فما حال مَن عصى اللَّه تعالى معاصيَ كثيرةً عمدًا في طول عمره، كيف لا يخاف عند الموت؟ وهو الحالة (١) يَخاف فيها كل الخلائق.
* * *
(١٢) - {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
وقوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ}: أي: في جيب قميصك {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}؛ أي: آفَةٍ من برصٍ وغيره.
{فِي تِسْعِ آيَاتٍ}؛ أي: هما معجزتان: عصاك ويداك في جملةِ تسعٍ معجزات أُوتِيْتَها (٢)، وقد عدَّدْناها في آخر سورة بني إسرائيل.
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ}: أي: مبعوثٍ بهن أنت إلى فرعون وأشرافِ قومه، حُذف ذلك لدلالة الكلام عليه؛ كما قال الشاعر:
رأتْني بحَبْلَيها فصَدَّتْ مَخافةً... وفي الحبل روعاءُ الفؤادِ فَرُوقُ (٣)
أي: رأتني مقبلًا بحبليها.
(١) في (ر): "وهذه حالة"، وفي (ف): "وهذا بحالة".
(٢) في (ف): "أوتيكها".
(٣) البيت لحميد بن ثور كما في "الغريبين" للهروي (١/ ٢٤٠)، ودون نسبة في "معاني القرآن" للفراء (١/ ٢٣٠) و (٢/ ٢٨٨)، و"تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (ص: ١٣٨)، و"تفسير الطبري" (٥/ ٦٨٤) و (١٨/ ٢١)، و"أساس البلاغة" (مادة: روع). يقول الشاعر في وصف ناقته: رأتني مقبلًا -أو: أقبلتُ- بحبليها، فترك ذكر (مقبلًا) استغناء بمعرفة السامعين معناه في ذلك، إذ قال: (رأتني بحبليها). ويقال: ناقة روعاء الفؤاد؛ أي: حَديدته ذكيَّته. وفَروق: خائفة.