إلى ذلك المكان، فيسلخونه كما يُسلخ الإهاب فيخرجون منه الماء.
فقال له نافع بن الأزرق: قِفْ يا وقَّاف، أرأيت قولك: ثم يجيء الهدهد فينقر الأرض فيصيب موضع الماء، كيف يبصر هذا ولا يبصر الفخَّ يجيء إليه حتى يقع في عنقه؟! فقال ابن عباس: ويحك إن القدَر حال دون البصر (١).
وقيل: كان يَرى الماءَ في الأرض كما يُرى الماءُ في الزجاج.
وقيل: بل كان يَعْرض جنوده من الطير وغيرها، فتفقَّد الغائبَ منهم والحاضرَ (٢)، وإنه كان يأتيه من كلِّ صنفٍ واحدٌ نُوبًا، فلم ير الهدهد (٣).
وقيل: كانت الطير تظلُّه حتى تسترَه عن الشمس بتقارب أجسامها وأجنحتها، فيقال: إن الشمس سقطت عليه من مكان الهدهد، فنظر إلى الطير فوقه فلم يره وقال ما قال.
وقيل: كان يسلِّم غداءَ كلِّ واحد منهم بنفسه، فنظر إليه فطلبه ليسلِّم إليه غداءه فلم يجده.
وقوله تعالى: {فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ}: بدأ أولًا بنفسه ثم قال: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} قال الكسائي والأخفش: أي: بل كان.
وقيل: هاهنا مضمر فيه ألف الاستفهام ثم عطف عليه {أَمْ}، وذلك: أحاد بصري عنه بسببٍ {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}.
ولقوله {كَانَ} وجوه:
(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣١٨٥٢)، والطبري في "تفسيره" (١٨/ ٣٠).
(٢) في (ف): "الغائب منها من الحاضر".
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٨/ ٣١) عن وهب.