يقولون: لو نشاء (١) لقلنا مثل هذا، وهذا كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي} فصلت: ٤٧؛ أي: على زعمكم، وقال تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} طه: ٩٧؛ أي: على زعمك.
ثم التحدِّي إلى مثلِ القرآنِ كان في وجوهه، وهي سبعةٌ:
أحدها: الإيجاز والبلاغة، حتى يشتمِلُ يسيرُ كلماته على كثيرٍ من المعاني، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُوتيتُ جوامعَ الكَلم" (٢)، وذلك مثلُ قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} البقرة: ١٧٩، وقولهِ: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} النازعات: ٣١، وقولهِ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} الجمعة: ١.
والثاني: البيان والفصاحة التي عَجَز عنها الفصحاء، وقَصَر (٣) عنها البلغاء، حكى أبو عُبيدةَ أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} الحجر: ٩٤ فسجد، وقال: سجدتُ لفصاحة هذا الكلام (٤)!
والثالث: النَّظْم الذي نقَض العادة حتى صار خارجًا من جنس كلامهم في النظم والنثر والرَّجَز والشعر والخُطب والسَّجْع والرسائل، فلا يمتزج بها ولا يدخل في شيءٍ منها، مع استعمال حروفه وكلماته.
والرابع: أن قارئه لا يَكلُّ وسامعَه لا يملّ، وإكثارُ تلاوته تَزيدُ في حلاوته، وغيرُه من الكلام وإن كان مستحسَنَ النَّظْم مستعذَبَ النَّثْر، يُمَلُّ إذا أُعيد، ويُستثقَلُ إذا ردِّد.
(١) في (ر) و (ف): "شئنا".
(٢) رواه البخاري (٧٢٧٣)، ومسلم (٥٢٣)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٣) قصَر عن الشيء: عجز عنه ولم يبلغه. انظر: "الصحاح" (مادة: قصر).
(٤) انظر: "أعلام النبوة" للماوردي (ص: ١٠٢).