{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ}: أي: تُسرُّ (١) وتكتُم {وَمَا يُعْلِنُونَ}؛ أي: يظهرون بالقول والفعل، فليس تأخيرُ العذاب لخفاءِ ما يُضمرونه ويُظهرونه.
قوله تعالى: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ}: أي: خصلةٍ غائبةٍ عن رؤيتكم أو علمكم {فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}؛ أي: مُثْبتةٌ في اللوح المحفوظ.
وقيل: معلومةٌ عند اللَّه محفوظة.
قوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: اختلفوا فصاروا أحزابًا، فأُنزل القرآن ببيان ذلك (٢).
واختلفوا أيضًا في النَّسخ، وفي صفة عيسى، وفي تعيين المبشَّرِ به في الكتاب أنه نبيُّ آخِرِ الزمان، وأشياءَ كثيرةٍ.
وإنما قال: {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}؛ لأنَّه بقي اختلافٌ كثير لم يبيِّنه اللَّه تعالى، وإنما بيَّن كثيرًا من ذلك، وهذا تحريكٌ للمشركين على اتِّباع القرآن، فإنه لمَّا كان فيه بيانٌ لأهل الكتاب، وأنتم ترجعون إليهم في كثير من أموركم، فلمَ تركتم أنتم هذا الكتاب وهو منزلٌ على نبيَكم بيانًا لكم؟
* * *
(٧٧ - ٧٩) - {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}.
{وَإِنَّهُ}: أي: القرآن {لَهُدًى}؛ أي: إرشاد {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} بما اتَّبعوه.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} فيما اختلفوا فيه {بِحُكْمِهِ} الحقِّ في الآخرة،
(١) في (ر): "تستر".
(٢) ذكره الواحدي في "البسيط" (١٧/ ٢٩٥) من رواية الكلبي عن ابن عباس.