وقوله تعالى: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}: من صِغَرٍ وكِبَرٍ، وضَعفٍ وقوةٍ، وشبابٍ وشَيبة {وَهُوَ الْعَلِيمُ} بمصالح خلقه وبلوغِ مَن بلغ منهم الشبابَ والكهولةَ والهرمَ ومَن انقطع منهم قبل ذلك، والعليم بوقت البعث {الْقَدِيرُ} على كل شيء.
* * *
(٥٥) - {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}.
وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}: أي: يحلف هؤلاء المشركون المنكرون للبعث أنهم ما لبثوا في الدينا إلا ساعةً من نهار.
وقيل: أي: ما لبثوا في قبورهم إلا ساعة؛ أي: يستقلُّون مدةَ كونهم في القبور أو كونهم في الدنيا؛ لهول يوم القيامة وطولِ مقامهم في الآخرة وشدةِ العذاب فيها.
قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: يقولون: لم نلبث في الدنيا إلا ساعةً كيف عملنا فيها المعاصيَ؟! وهذا إنكارٌ منهم للذنوب (١).
{كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}: أي: يُصْرَفون في الدنيا عن الصِّدق إلى الكذب، وكانوا يحلفون على الكذب ويقولون: ما هي إلا حياتُنا الدنيا، ولا بعثَ ولا حسابَ ولا جزاء، فكذلك قالوا في الآخرة: ما لبثنا في الدنيا -أو: في قبورنا- إلا ساعة.
وقيل: أقسموا عليه لأنه كان عندهم كذلك، وكانوا عند أنفسهم صادقين، وذلك أنهم في الآخرة لا يتعمَّدون الكذب، ومعنى قوله: {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}؛ أي: يُصْرَفون عن الصواب فيقولون يوم القيامة ما لا يعلمون كما كانوا يقولون في الدنيا ما لا يعلمون، والتشبيه من هذا الوجه لا في تعمُّد الكذب.
* * *
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٨/ ٢٩٢).