ثم هذا التفصيلُ بأسماء هؤلاء بعد الإجمال؛ لِمَا مرَّ أنهم أصحابُ كتبٍ وشرائعَ، وهم المذكورون في قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية الشورى: ١٣.
ثم قولُه: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} يحتمِل أن يكون هو الميثاقَ المذكورَ في أول الآية، وإنما أُعيد لِمَا أريد من تعريف تغليظه؛ أي: توثيقه وتأكيده، ويحتمِل أن يكون الأولُ ميثاقَ الإقرار والشهادة، والثاني ميثاقَ التبليغ والبشارة.
* * *
(٨) - {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}.
وقوله تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ}: أي: الأنبياءَ، وهم الصادقون {عَنْ صِدْقِهِمْ}: عن دعائهم لأمتهم: ماذا أُجيبوا فيه، وهل أُطيعوا وأُنزلوا منزلة الآباء من الأمم؛ أي (١): أممهم، حتى كأن الأنبياء أحبُّ إليهم من أنفسهم وأهاليهم وأولادهم.
وقد روي أن كلَّ نبي أبو أمته (٢)، وفي قصة لوط: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} هود: ٧٨ أنه أراد به بنات أمته فكان كالأب لهم.
وقيل: معناه: ليسألهم هل بلَّغوا؟ هل قاموا بما أُمروا به؟ فيحاسَبون على ذلك ويثابون على تبليغهم، فإذا كان الأنبياء يحاسبون ويُسألون فكيف مَن سواهم؟
وقيل: إذا كان الصادق يُسأل عن صدقة فكيف الكاذب؟
وقوله تعالى: {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}: أي: للكافرين من أمم هؤلاء؛ أي: مَن شَهد عليهم الأنبياء بالكفر.
(١) "الأمم أي" من (أ).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٥٠٢)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ٢٠٣٥)، عن مجاهد.