لِمَا يرى من كثرة العدو وضِيق الأمر بالمسلمين، يقول: لو كان اللَّه يريد أن ينصرهم لَمَا بلغ الأمر هذا المبلغَ، وهو قولُه: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} الأحزاب: ١٢ وقوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الأحزاب: ٢٢.
وقيل: هذا خطاب للمؤمنين؛ أي: تظنُّون مرةً أن اللَّه سيكفيكم ويقوِّيكم ويحميكم، وتظنُّون مرةً أنه يبتليكم ويخليكم، ويُخطر الشيطان مع ذلك قلوبَكم الخواطر.
* * *
(١١) - {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}.
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ}: أي: امتُحن المؤمنون فبان صبرُهم وثباتهم.
{وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}: أي: حرِّكوا تحريكًا شديدًا بليغًا بالفتنة والتمحيص.
قال محمد بن إسحاق: إن الحال لمَّا اشتدت وجاءت قريش مع قادتها حتى نزلت برومة، وغطفانُ مع قادتها ونزلت إلى جانب أحد، وكانوا عشرة آلاف والمسلمون ثلاثةَ آلاف، وبلغ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن حييَّ بن أخطبَ لم يزل يَفتِلُ من كعب بن الأشرف في الذِّروة والغارب حتى نقض العهد، وعظُم بذلك البلاءُ واشتدَّ الخوف، وظنَّ المؤمنون الظنونَ ونجَم النفاق، حتى قال معتِّب بن قُشيرٍ: كأن محمدًا يرى أن يأكل من كنوز كسرى وقيصر وأحدُنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط!
وأقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بضعًا وعشرين ليلة، فبينا الناس على ذلك من الخوف والبلاء، ولم يكن بين الناس قتال إلا الحصارُ والرميُ بالنبال، بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عيينةَ بن حصن والحارثِ بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلثَ ثمار المدينة على أن