{فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}: مَن علم منه اختيارَ الضلال أضلَّه اللَّه، ومَن علم منه اختيارَ الإيمان (١) هَدَاه.
{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}: أي: لا تُهلك نفسَك تأسُّفًا عليهم وتحسُّرًا، وهو كقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} الشعراء: ٣، وقد بينا وجوه ذلك في تلك الآية.
وقيل: الإضمار هاهنا {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} ذهبتْ نفسُك حسرةً عليه {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
ثم هذا الموصوف قيل: هو إبليس -لعنه اللَّه- زُيِّن له سوء عمله {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ}؛ أي: على الكفار.
وقيل: مَن زُيِّن له سوءُ عمله هو الكافر، ووحِّد لفظُ (مَن) ومعناه الجمعُ وهم الكفار، وقوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} يرجعُ إليهم.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}: وعدٌ ووعيدٌ وتسليةٌ للنبي عليه السلام.
وقال القشيري: الذي يُؤْثِر على ربه شيئًا من المخلوقات فقد زُيِّن له سوء عمله، والذي يكتفي يوم القيامة بنجاته ورفعِ درجاته فقد زيِّن له سوء عمله؛ لأنَّه غفل عن حلاوة مناجاته (٢).
* * *
(٩) - {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ}.
(١) في (أ): "الاهتداء".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٣/ ١٩٤).