وتسمعُ بعظمٍ، وتعرف بدمٍ، وأَبطشك وأَمشاك، وأَيَّدك وقوَّاك، وجَعلك تستولي على طيورِ الهواء وحيتانِ الماء ووحوشِ الصحراء، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} فيجعلكم رُفاتًا كما كنتم في الأصل أمواتًا.
ويجوز أن يكون الخطابُ للمسلمين وعتابِهم على وجهٍ آخَرَ: كيف تكفرونَ نِعَمَ اللَّهِ تعالى عليكم، وتسترونَ أياديَه إليكم، وقد (١) كنتم أمواتًا بالكفر فأحياكم بالإيمان، وكنتم أمواتًا بالجهل فأَحياكم بالعلم، وكنتم أمواتًا بالرغبة فأحياكم بالرهبة، وكنتم أمواتًا بالشَّكِّ فأَحياكم باليقين، وكنتم أمواتًا بالاختلاف فأَحياكم بالائتلاف.
وقال بعضُ البغداديين: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} بحياةِ أنفسكم {فَأَحْيَاكُمْ} بإماتتها.
وقال ابنُ عطاء: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} بالظواهر {فَأَحْيَاكُمْ} بالسرائر (٢).
وقال فارس (٣): {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} بشواهدكم {فَأَحْيَاكُمْ} بمشاهده (٤).
وقال الواسطيُّ: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} بكم {فَأَحْيَاكُمْ} به.
ثم تفسيرُ ظاهرِ الآية على نَظْمها: كنتم نُطَفًا لا حياةَ فيها {فَأَحْيَاكُمْ}؛
(١) "قد": زيادة من (أ).
(٢) انظر: "تفسير السلمي" (١/ ٥٣).
(٣) في (ر) و (ف): "وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما". والمثبت من (أ)، وهو الموافق لما في "تفسير السلمي" (١/ ٥٣)، و"روح المعاني" (٢/ ٧٧). وفارس هو ابن عيسى -وقيل: ابن محمد- أبو الطيب الصوفي، صحب الجنيد بن محمد وأبا العباس بن عطاء وغيرهما، وقد تقدمت ترجمته.
(٤) في (أ): "بمشاهدته" وفي (ف): "بشهادته"، وفي "تفسير السلمي": (بشاهده)، وفي "روح المعاني": (بشواهده)، وهذه الأخيرة هي الأنسب بالسياق.