والثاني: أن العبادةَ من العبدِ للَّهِ تعالى، والمعونةَ من اللَّهِ تعالى للعبد، وهذا أظهرُ؛ لأنه قال في بقية السورة: "هذا لعَبْدي ولعَبْدي ما سَأل" (١) لمَّا كان نفعُ الهدايةِ للعبد جعَله للعبد، فكذلك نَفْعُ المعونة (٢).
فهذا ما ذكره المؤلف، أما قول الماتريدي في "تأويلات أهل السنة": (وقد رُويَ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في خبر القسمة: "اللَّهُ يقول: هذا بَيني وبينَ عبدي نِصْفين"، وذلك يحتملُ: أن يكون كلُّ حرفٍ من ذلك، بما فيها جميعًا الفزعُ إلى اللَّه بالعبادة والاستعانةِ ورفعِ الحاجة إليه، وإظهارِ غناه -جلَّ وعلا- عنه؛ فيتضمَّنُ ذلك الثناءَ عليه، وطلبَ الحاجةِ إليه.
ويحتمل: أن يكون الحرفُ الأَولُ للَّهِ بما فيه عبادتُه وتوحيدهُ، والثاني للعبدِ بما فيه طلبُ معونته وقضاءُ حاجته، ويؤيِّدُ ذلك بقيةُ السورة أنه أُخرج على الدعاء فقال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل".).
وعلى هذا يقاسُ أغلبُ ما نقله المؤلف في تفسيره عمَّن تقدَّمه من العلماء.
٨ - وأخيرًا فإن مِن أهم ما يميِّز هذا التفسيرَ هو أن مؤلِّفَه ليس مجردَ ناقلٍ لِمَا سطَّره مَن قبلَه أو روَوْه، ولا حاطبِ ليلٍ همُّه التجميعُ دون التحقيق، بل هو من العلماء المحقِّقين المدقِّقين الذين لهم رأيٌ وحضورٌ فيما ينقلونه أو يَروونه:
- ففي قوله تعالى: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} الأعراف: ١١١ نقل قولَ بعضهم في معناه: احبِسْه. ثم قولَ عطاءٍ الخراسانيِّ: أخِّره.
ثم قال عن الثاني: وهو الأصحُّ، لأنه لم يَثبت أنه حبَسهما، ويدلُّ عليه قولُه: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ} طه: ٥٨.
(١) قطعة من الحديث السابق.
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (١/ ٣٦٥)، وفي نقل المؤلف شيء من التصرف.