وقيل: كانَ يعرِضُ له كلَّ ليلةٍ حُمًّى أو عارضٌ نحوَها في ساعةٍ مِن اللَّيلِ،: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ}، لكنْ في عَينِ النُّجومِ في السَّماءِ، وهي تدلُّ بأعيانِها في المتعارفِ على ساعاتِ اللَّيلِ، فقال: قرُبَتْ ساعةُ سقَمي بدلالةِ مسيرِ هذا النَّجمِ، وإذا وقعَ ذلك ضعُفْتُ عنِ الخروجِ، فلا أخرجُ. وكان في نفْسِه قصَدَ كسْرَ الأصنامِ، لكنْ لمْ يكنْ كاذبًا فيما أظهرَ مِن الكلام، فلمْ يلحقْه به شيءٌ مِن الملام.
* * *
(٩١) - {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ}.
وقولُه تعالى: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ}: أي: فمالَ في خُفْيَةٍ إلى أصنامِهم التي كانوا يسمُّونها آلهةً، وهو مِن روَغانِ الثَّعلبِ إذا قصدَه الكلبُ.
قولُه تعالى: {فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ}: قال السُّدِّيُّ: ثمَّ رجَعَ إبراهيمُ إلى بيتِ الأصنامِ، فإذا هي في بهْوٍ عظيمٍ، وإذا هم قد جعلوا طعامًا، فوضعُوه بينَ أيديها وقالوا: إذا كان حين نرجِعُ رجَعْنا وقد برَّكتِ الآلهةُ في طعامِنا فأكلْنا، فلمَّا نظرَ إليهم وإلى ما بينَ أيديهم مِنَ الطَّعامِ قال: {أَلَا تَأْكُلُونَ} (١). وهذا على وجهِ الاستهزاءِ، وهو وإنْ كان خِطابًا للجمادِ، لكنَّه صحيحُ الاعتبارِ؛ لأنَّه تحريكٌ للخاطرِ وبعثٌ على الاستدلالِ، فلمَّا لمْ تُجِبْه الأصنامُ قال:
* * *
(٩٢ - ٩٣) - {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}.
{مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}: والجمعُ بالواوِ والنُّونِ لِمَا أنَّه خاطبَها خطابَ مَن يعقِلُ.
وقولُه تعالى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}:
(١) رواه عن السدي مطولًا الطبريُّ في "تفسيره" (١٦/ ٢٩٥)، وذكره الثعلبي في "تفسيره" (٦/ ٢٧٩).