والذي وقعَ عليه القسم محذوفٌ عند بعضهم، والمذكور بعده دالٌّ عليه، وهو قوله: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}: وذلك المحذوف: لقد جاء الحق.
وقيل: بل المحذوف: ما الذين كفروا في طلَبِ حقٍّ، بل هُم في تعزُّزٍ عند أنفسهم عن طلَبِ الحقِّ؛ أي: ترفُّع وتكبُّر.
{وَشِقَاقٍ}: أي: ومُشاقَّةٍ لمحمد، وهي المعاداةُ والمخالفة، وكلمةُ {بَلِ} تدلُّ عليه؛ لأنَّها لنفي ما مضى ذِكْرُه، وإثباتِ ما ذُكِر بعده، والحذفُ في مِثْله أبلغُ مِن ذِكْره؛ لأن الذِّكْر يقصُره على ما ذُكِر، وفي الحذف تَذهب النَّفْس فيه كلَّ مذهب.
وقيل: بل جوابه: {إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ}.
وقيل: بل جوابه: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}.
ورُوِي أنَّ كفار مكة جاؤوا إلى أبي طالب في مرضه، فقالوا: إنه قد حضَرَكَ ما ترى، وقد علِمْتَ ما بيننا وبين ابن أخيكَ، فادْعُه فخُذْ لنا منه وله منا، فيكُفَّ عنا ونكُفَّ عنه، فدعاه أبو طالب، فكلَّمه في ذلك، فقال: "إنما أريدهم على كلمة، وهي أن يقولوا: لا إله إلا اللَّه"، فنفروا وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}، فنزل قولُه: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} (١).
* * *
(٣) - {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}.
قولُه تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا}: أي: بالاستغاثة وطلَب التوبة.
{وَلَاتَ}: أي: وليس، وهو في لغة أهل اليمن.
(١) رواه الترمذي في "سننه" (٣٢٣٢)، والنسائي في "الكبرى" (١١٣٧٢)، والإمام أحمد في "مسنده" (٢٠٠٨) (٣٤١٩)، والطبري في "تفسيره" (٢٠/ ١٩)، من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.