وليس هذا بتوقُّفٍ منَّا كما قالت الأشعريَّةُ، بل عندهم لا حكمَ لها أصلًا، وعندنا هي ممكنةٌ أن يكون كذا وكذا، ويظهر بورود السمع.
وأمَّا الأعيانُ: فما يُتصوَّر فيه الأكلُ والشربُ، وهي تنقسم ثلاثةَ أقسام، فمنها ما هو غذاءٌ، ومنها ما هو دواءٌ، ومنها ما هو سُمٌّ قاتلٌ، ولا يُعرف ذلك بالحسِّ والعقلِ، فلا بُدَّ مِن ورود السمع به، ولا (١) يجوز الإقدام بنفسه على تجريبه (٢)؛ لِمَا فيه مِن خوف الهلاك، وبيانُ هذه الأصول في كتب الكلام، وهذا القَدْر كافٍ هاهنا، وباللَّه العصمةُ.
قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (استوى) في اللغة لثلاثة أشياء:
استوى الرجل؛ أي: انتهى شبابُه.
واستوى بعد ما اعوجَّ؛ أي: استقام.
وفعلتَ كذا ثم استويتَ إليَّ تَشتمني (٣)؛ أي: أقبلتَ.
وفي القرآن ورد لأشياء:
لبلوغ الإنسان غايته: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} القصص: ١٤.
وللتَّساوي: {لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} المائدة: ١٠٠.
وللجلوس: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} المؤمنون: ٢٨.
وللرُّكوب: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} الزخرف: ١٣.
وللقيام: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} الفتح: ٢٩.
وللاستقرار: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} هود: ٤٤.
(١) فى (ف): "فلا".
(٢) في (أ): "تجربته".
(٣) "تشتمني": سقط من (ف).