ودلَّت الآيةُ على خَلْق الأرض قبل السماء، وفيه أقاويل ثلاثة:
قيل: خلَقهما معًا؛ بدليل قوله: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فصلت: ١١.
وقال قتادةُ والسديُّ: خلق السماء أوَّلًا ثم الأرض، بدليل قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} النازعات: ٣٠، وهذا أعجبُ في القُدرة، وهو إظهارُ السَّقف قبل الأساس.
فأمَّا قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} فـ (ثمَّ) لترتيبِ الإخبار عنه لا لترتيبِ الوجود، كما في قوله: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (١) آل عمران: ٥٩.
وقال ابن عباس ومجاهدٌ رضي اللَّه تعالى عنهم: خلق الأرض أوَّلًا ثم السماء، بدليل هذه الآية: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} (٢)، فأمَّا قولُه: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} النازعات: ٣٠، فمعناه: مع ذلك، كما في قوله: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} الحجرات: ١١؛ أي: مع الإيمان، ولأنَّه قال: {بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، ولم يقل: خَلَقها ودحاها؛ أي: بَسَطها.
وبه نقول: إنَّه خلق الأرض ثم السماوات، ثم بَسَط الأرضين، وهو أقربُ إلى الحكمة: تمهيدُ الأساس، ثم رفعُ البناء، ثم بسطُ الأساس.
وقال ابنُ عباس رضي اللَّه عنهما: أوَّل ما خلق اللَّهُ جوهرةً طولُها وعرضُها مسيرةُ ألفِ سنة في مسيرة عشرة آلاف سنة، فنَظر إليها بالهيبة فذابت واضطربت، ثم ثارَ منها دخانٌ فارتفع، واجتمع زَبَدٌ فقام فوق الماء، فجعل الزَّبَدَ أرضًا والدخانَ سماء.
(١) بعدها في (ر) و (ف): "الحق".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١/ ٤٦٤) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.