وحذف أحد الطرفين للاختصار عند وضوح المراد؛ كما مرَّ في هذه السورة مرات.
ونظير قولِه: {يَتَّقِي بِوَجْهِهِ}: قولُه: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} المؤمنون: ١٠٤، {يَشْوِي الْوُجُوهَ} الكهف: ٢٩، {حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ} الأنبياء: ٣٩.
وقيل: إذا كان التَّوَقي بسائر الأعضاء لوقاية الوجه، فإذا كان الاتِّقاء بالوجه لم يكن اتِّقاءً، فصار الحاصل أنه لا يتَّقي العذاب (١)، وهو كقوله: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ}، وهذا لا يقع به الإغاثة، فحصل المعنى: وإنْ يستغيثوا لا يُغاثوا، وقريب مِن هذا قول الشاعر:
ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفهم... بهنَّ فلولٌ مِن قِراع الكتائب (٢)
أي: لا عيبَ فيهم إلا هذا، وليس هو بعيب، فلا عيبَ فيهم إذًا بوجه.
وقولُه تعالى: {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ}: أي: لهذه الطَّبَقة مِن الظالمين: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}؛ أي: جزاء ذلك، وهو الذي أنتم فيه.
وقولُه: {وَقِيلَ}: ماضٍ بمعنى المستقبل؛ لأنَّه مِن أمور الآخرة، فأُلحق بالكائن لتحقُّقه.
* * *
(٢٥ - ٢٦) - {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
(١) في (أ): "يبقى" بدل من "يتقي العذاب".
(٢) البيت للنابغة الذبياني، وهو في "ديوانه" (ص: ١١).