وقولُه تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ}: وهذه في مُحاجَّة المشركين أيضًا، وكانوا يقولون: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} يونس: ١٨، فقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ}.
و {أَمِ} بمعنى ألفِ الاستفهام، أو أُضمِر كلامٌ فيه ألفُ الاستفهام، ثم عُطف هذا عليه بـ {أَمِ}، وتقديرُه على الانتظام: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أفلا يتفكرون فيعلموا وحدانية اللَّه تعالى فلا يُشركون به الأصنام، أم اتخذوها (١) شُفعاء.
ثم أبطل ذلك بقوله: {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ}: أي: أَتشفعُ لهم (٢) وهي لا تملك شيئًا، ولا تعقل، ولا تسمع، فلا يشفع مَن لا يعقل ولا يملك.
* * *
(٤٤) - {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
ثم بيَّنَ وجهًا آخر لإبطال ذلك، فقال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: أي: عرِّفْهم أنَّ الشفاعة إنما يملكها (٣) مَن يملك السماوات والأرض.
أي: كلها للَّه تعالى؛ أي: لا يُقْدِم عليها أحد إلا بإذنه، وأنتم معاشرَ المشركين مُقِرُّون بذلك، فإياه فأفرِدوا بالعبادة، ودَعوا الإشراك به، وأخلِصوا له، فإنه لا تنفع عنده الشفاعة لِمَن أشرك به.
وقولُه: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}: أي: إلى جزائه تَصيرون، وهذا ترغيب وترهيب.
(١) في (ف): "اتخذوا هؤلاء".
(٢) "لهم" ليس من (ف).
(٣) في (ر): "لا يملكها إلا" بدل: "إنما يملكها".