مانعٌ مِن عذاب اللَّه إنْ جاءنا؟! أي: إنْ كان موسى صادقًا، فأصابنا ما وعدَنا، وهو قولُه:
{مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا}: أي: فإذا لم يكن لكم ناصر، فلا معنى للتعرُّض لِمَا لا يُمكننا دَفْعُه.
هذا الرجلُ كتَمَ إيمانه مدةً حين خاف على نفْسه، فدلَّ ذلك على أنه يُباح إخفاءُ الإسلام وإظهارُ كلمة الكفر عند خوف الهلاك على نفْسِه (١).
وحين رأى قَصْدَهم قَتْلَ موسى أظهرَ اللَّه ذلك وحاجَّهم؛ لأنَّه رجا أنْ يكون في ذلك نجاةُ موسى وإنْ كان فيه هلاكُ نفْسِه، وذاك واجب، وهو السَّعْي في دفع الهلاك عن الأنبياء.
وقولُه تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى}: أي: ما أُبَصِّرُكم (٢) صوابَ قَتْلِ موسى إلا وهو صوابٌ عندي في رأيي.
وقيل: أي: ما أختارُ لكم إلا ما أختارُ لنفْسي.
وقولُه تعالى: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}: وهو ما أقول مِن قَتْل موسى، وكَذَبَ عدوُّ اللَّه، فإنه لم يختَرْ لهم ما يختارُ لنفْسه، فإنه اختار لنفْسِه أنْ يكون معبودًا لهم، واختار لهم أنْ يكونوا عابدين له، وهداهم سبيلَ الضلال دون سبيل الرَّشاد، قال تعالى: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} طه: ٧٩.
* * *
(١) في هذا الكلام نظر، فكتمان الإيمان لا يعني بالضرورة إظهار كلمة الكفر، بل حتى لا دليل على أن كتمانه كان خوفًا على نفسه، فلعله كتمه حكمةً ليكون نصحه مقبولًا عندهم على اعتبار أنه منهم.
(٢) في (ر): "ما أبصره لكم".