وقال في الآية الثانية: الأرضُ إذا صحِبَتْها جُدُوبةُ الشتاء، ففي وقت الربيع إذا أُنْزِلَ عليها المطرُ اهتزَّتْ بالثبات واخضَرَّتْ؛ كذلك القلوبُ إذا خشَعَتْ وتماوتَتْ بما ألمَّتْ به مِن الذُّنوب، ونظَرَ إليها الحقُّ سبحانه، فاهتزَّتْ وتحرَّكَتْ للنَّدَم، يُعْفى عنها ما قصَّرَتْ في صِدْق القَدَم، وكذلك إذا وقعَ للعبد فَتْرٌ في مُعاملتِه، وغَيبةٌ عن بِساط خِدْمَتِه، فإذا تعهَّدَه الحقُّ سبحانه بما أدخَلَ عليه مِن التَّذَكُّر عادَ عُودُ رَشادِه غضًّا طَرِيًّا، وشجَرُ وِفاقِه بعد ما أَجْدَبَ بماء العِناية مَسْقِيًّا (١).
* * *
(٤٠) - {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
وقولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا}: أي: إنَّ الذين يَميلون عن الحق في آياتنا، فيقولون: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}، ويكفُرون بالقرآن، ويزعُمون أنه ليس مِن عند اللَّه، وأنَّ محمدًا تَقَوَّلَه على اللَّه، وأنه أساطيرُ الأولين، ويُعرِضون عن تدبُّره.
وقيل: أي: الذين يُلحِدون في آيات وحدانيَّتِنا مما سبَقَ ذِكْرُه: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} بتركِ تدبُّرِها والاستدلالِ بها على ما هي علامةٌ دالَّةٌ عليه.
{لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا}: بل نعلَمُ بهم، فنُجازيهم على وَفْقِ أعمالِهم، وهو تهديدٌ بليغٌ.
وقيل: إنَّ المُنجِّمين داخلين في هذا الوعيد؛ لأنهم يُلْحِدون في هذه الآيات، فإن الشمس والقمر والنجوم جعلَها اللَّه تعالى دلائلَ على وحدانيَّته، وهم يجعلونها دلائلَ على السَّعادة والشَّقاء والغِنى والفقر ونحوِ ذلك.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٣/ ٣٣٣ - ٣٣٤).